/ الفَائِدَةُ : (128) /
16/07/2025
بسم الله الرحمن الرحيم ، وصلى الله على محمد واله الطاهرين ، واللَّعنة الدَّائمة على أَعدائهم اجمعين. / ترابط تكويني وثيق بين أَهْل الْبَيْتِ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ والقران الكريم / إِنَّ ما ورد في بيان ومعادلة سيِّد الأَنبياء صلى الله عليه واله الوحيانيَّة والمتواترة بين الفريقين : « يا أَيُّها النَّاس إِنِّي تارك فيكم الثقلين : كتاب الله وعترتي ؛ أَهل بيتي فتمسَّكوا بهما ولا تضلُّوا ، فإِنَّ اللَّطيف الخبير أَخبرني وعهد إِلَيَّ أَنَّهما لن يفترقا حتَّىٰ يردا عَلَيَّ الحوض»(1) برهانٌ وحيانيٌّ دالٌّ علىٰ عدم تمكُّن السالك لجادَّة الحقّ الأَخذ بأَحد الثقلين وترك الآخر . / معنى كلمة (حَتَّى) الواردة في أَبواب الْمَعَارِف الْإِلَهِيَّة / ثُمَّ إِنَّه يَنْبَغِي الْاِلْتِفَات في المقام : أَنَّ المراد من كلمة (حتَّى) الواردة في بيانات الوحي وأَبواب الْمَعَارِف الْإِلَهِيَّة ، كبيان قوله تقدَّس ذكره : [لَا يُؤْمِنُونَ بِهِ حَتَّى يَرَوُا الْعَذَابَ الْأَلِيمَ](2) ، وبيان سَيِّد الْأَنْبِيَاء صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ في خطبة الوداع : « إني تارك فيكم الثقلين إلا أن أحدهما أكبر من الآخر : كتاب الله ممدود من السماء إلى الارض، وعترتي أهل بيتي ، و إنهما لن يفترقا حتى يردا عَلَيَّ الحوض ... »(3) ، وبيانه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ : « عَلِيٌّ مع القرآن ، والقرآن مع عَلِيٌّ ، ولن يفترقا حتى يردا عَلَيَّ الحوض »(4) ليست الغاية والنهاية ، بل الوصول والاستمرار ، وهذا المعنىٰ يتمُّ في بيان قوله تعالىٰ : [وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ](5) وإِن فُسِّر اليقين بالموت. وإِلى كُلِّ ما تقدَّم أَشارت بيانات الوحي الأُخرىٰ ، منها : 1ـ بيان الإِمام الباقر عليه السلام ، عن سعد الإِسكاف ، قال : « سأَلتُ أَبا جعفر عليه السلام عن قول النَّبيّ صلى الله عليه واله : إِنِّي تارك فيكم الثقلين فتمسَّكوا بهما فإِنَّهما لن يفترقا (يتفرَّقا خ. ل) حتَّىٰ يردا عَلَيَّ الحوض . قال: فقال أَبو جعفر عليه السلام : لا يزال كتاب الله والدَّليل مِنَّا يدلُّ عليه حتَّىٰ يردا علىٰ الحوض »(6). 2ـ بيان الإِمام الصَّادق عليه السلام : « مضیٰ رسول الله صلى الله عليه واله وَخَلَّفَ في أُمَّته : كتاب الله ووصيّه عَلِيّ بن أَبي طالب عليه السلام أَمير المؤمنين ، وإِمام المُتَّقين ، وحبل الله المتين ، وعروته الوثقىٰ الَّتي لا انفصام لها ، وعهده المُؤكَّد ، صاحبان مُؤتلفان ، يشهد كُلُّ واحدٍ لصاحبه بالتَّصديق ، ينطق الإِمام عن الله عَزَّ وَجَلَّ في الكتاب بما أَوجب الله فيه على العباد من طاعة الإِمام وولايته ، وأَوجب حقَّه الَّذي أَراه الله عَزَّ وَجَلَّ من استكمال دينه وإِظهار أَمره والإِحتجاج بحُجَجَه (خ. ل: بحُجَّته) والإِستضاء بنوره في معادن أَهل صفوته ومصطفىٰ أَهل خيرته . فأَوضح الله بأَئِمَّة الهدىٰ من أَهل بيت نبيّنا عن دينه ، وأَبلج بهم عن سبيل مناهجه ، وميَّح (خ. ل: فتح) بهم عن باطن ينابيع علمه ، فمَنْ عرف من أُمَّة مُحمَّد صلى الله عليه واله واجب حقّ إِمامه وجد طعم حلاوة إِيمانه ، وعلم فضل طلاوة (خ.ل: طلاقة) إِسلامه ؛ لأَنَّ الله (خ. ل: ورسوله) نصب الإِمام عَلَماً لخلقه ، وحُجَّة علىٰ أَهل عَالمَه ، أَلبسه الله تاج الوقار ، وغَشَّاه من نور الجبَّار ، يمدُّ بسبب إِلى السماء لا ينقطع عنه موادّه (خ. ل: موارده) ، ولا يُنال ما عند الله تبارك وتعالىٰ إِلَّا بجهة (خ. ل: بجهد) أَسباب سبيله ، ولا يقبل الله أَعمال العباد إِلَّا بمعرفته ، فهو عَالِم بما يرد عليه من ملتبسات (خ. ل: مُلْبَسات) الوحي ، ومعميَّات (خ. ل: مصيبات) السنن ، ومشتبهات (خ. ل: مشبهات) الفتن ، ولم یکن الله ليُضلّ قوماً بعد إِذ هداهم حتَّى يُبيّن لهم ما يتَّقون ، وتكون الحُجَّة من الله علىٰ العباد بالغة »(7). ومِمَّا تَقَدَّمَ يَتَّضِحُ : أَنَّ المصحف الشَّريف إِذا عُزِل عن أَهْل الْبَيْتِ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ فلن يكون وحياً مُنزلاً ، فالحافظ له ليس علماء الأُمَّة ، ولا فقهائها ، ولا مُفسِّريها ، ولا الصَّحابة والتَّابعين ـ وإِلَّا كان نتاجاً بشريّاً . وحُجِّيَّة العلماء وإِنْ كانت ثابتة ، لكنَّها ليست مصدراً ومنبعاً وحيانيّاً ـ ، بل مَنْ كان له اتِّصال بالله عَزَّ وَجَلَّ مباشرة ، وهو: مجموع المعصومين الأَربعة عشر من أَهْل الْبَيْتِ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ . فانظر : بيانات الوحي ، منها : بيان الإِمام الصَّادق عليه السلام ، عن صالح بن سهل ، قال : « كُنْتُ جالساً عنده فقال لي إِبتداءً منه : يا صالح بن سهل ، إِنَّ الله جعل بينه وبين الرَّسول رسولاً ، ولم يجعل بينه وبين الِإمام رسولاً ، قال : قلت : كيف ذاك ؟ قال : جعل بينه و بين الإِمام عموداً من نور ؛ ينظر الله به إِلى الإِمام ، وينظر الإِمام به إِليه ، فإِذا أَراد علم شيءٍ نظر في ذلك النُّورفعرفه»(8). ودلالته واضحة. وَمِنْ ثَمَّ ورد بيان قوله تعالىٰ : [إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ] (9) ، أَي : حَافِظُونَ للقرآن الكريم بمجموع أَهْل الْبَيْتِ الأَربعة عشر معصوماً صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ . وعليه : فإِذا أَقَرَّ مخلوق بكافَّة أَهْل الْبَيْتِ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ إِلَّا واحداً منهم كالحُجَّة ابن الحسن عجل الله تعالى فرجه فلا يكون المصحف الموجود بين يديه وحیانیّاً ، بل تراثاً بشريّاً ؛ لتطرُّق الحِسّ إِليه ؛ بانقطاع سلسلة الوحي ، وحينئذٍ تعود المعضلة الَّتي ارْتَطَم بها الطرف الآخر للوَاجِهَة ، ولا تندفع إِلَّا بالِاعتقاد بجملة أَهْل الْبَيْتِ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ ، ومن ثَمَّ ورد في بيان دعاء النُّدْبَة : «... أَين وجه الله الَّذي إِليه يتوجَّه الأَولياء، أَين السَّبب المُتَّصل بين الأَرض والسَّماء ...»(10)، وعلماء الأُمَّة وفقهائها وأَبدالها وأَوتادها ليسوا بأَسباب مُتَّصِلة بين الأَرض والسَّماء. وعليه : فَمَنْ تشدَّق بمقولة : « حسبنا كتاب الله »(11) لم ولن يتمكَّن من التَّحليق بالمُصْحَفِ الشَّريف عن الحِسِّ ، لا من حيث سنده ، ولا من حيث دلالته وإِنْ كانتا قطعيَّتين وحُجَّتين ؛ لأَنَّ حُجِّيَّتهما ليست بالوحيانيَّة، بل نتاج بشري يبقىٰ ملازماً للحِسِّ لا يفارقه، وهو في معرض الخطأ والِاشتباه. وصلى الله على محمد واله الاطهار . ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ (1) الاحتجاج، 1: 216. (2) الشعراء: 201. (3)بحار الانوار ، 22 : 311 ـ 312 / ح 14 . أمالي ابن الشيخ : 160 . (4)بحار الانوار ، 34 : 35 . (5) الحجر: 99. (6) بصائر الدرجات، 2: 297/ح1468 ـ 6. (7) بصائر الدرجات، 2/17 ـ باب في قول رسول الله صلى الله عليه واله : إِنِّي تارك فيكم الثقلين كتاب الله وأَهل بيتي/294/ح1464ـ 2 . (8) بحار الأَنوار، 26: 134 ـ 135/ح10. بصائر الدرجات: 130. (9) الحجر: 9. (10) بحار الأَنوار، 99: 107. مصباح الزائر: 230 ـ 234. (11) بحار الأَنوار، 22: 472 ـ 473/ح21. مناقب آل أَبي طالب، 1: 202ـ 203